مع اقتراب عيد الهالوين، قد يبدو هذا الاحتفال حديثًا ومقتصرًا على الثقافة الغربية، لكنه في الحقيقة مرتبط بجذور قديمة تعود إلى معتقدات شعوب سابقة حول الموت والعالم الآخر.
رغم اختلاف نشأته التاريخية، إلا أن هذا الاحتفال يشترك في بعض النقاط مع طقوس المصريين القدماء، الذين كانوا بدورهم شديدي الارتباط بمسألة الموت وما بعده.
الهالوين: أصول الاحتفال بروح الساوين Samhain

يرتبط الهالوين أساسًا بمهرجان الساوين الكلتي (Celtic Samhain) الذي كان يحتفل به الأيرلنديون القدماء في نهاية فصل الحصاد.
كان يعتقد أن ليلة الساوين، والتي تتزامن مع نهاية شهر أكتوبر، هي الوقت الذي تصبح فيه الحدود بين عالم الأحياء وعالم الأرواح رقيقة، مما يسمح للأرواح بالعبور إلى عالمنا.
ولتجنب أي ضرر من الأرواح الشريرة، كان الناس يرتدون أزياء غريبة ويشعلون النيران لإبعاد هذه الأرواح وحماية أنفسهم.
مع مرور الوقت، تطور هذا التقليد وتحول إلى ما نعرفه اليوم بالهالوين، حيث يحتفل الناس بارتداء أزياء مرعبة وتزيين المنازل ورواية قصص الأشباح.

يوم الموتى المكسيكي: احتفال بالحياة والذكريات
يوم الموتى، الذي يُحتفل به في المكسيك وأجزاء من أمريكا اللاتينية، في نفس الوقت تقريبًا كالهالوين، هو مناسبة سنوية لتكريم الذاكرة والأرواح التي رحلت.

يُعتبر هذا الاحتفال مزيجًا من التقاليد القديمة والديانة الكاثوليكية، ويحدث في الأول والثاني من نوفمبر.
خلال هذه الأيام، تُعد العائلات هياكل جميلة (ألتار altars) مليئة بالزهور، الطعام، والصور للاحتفال بحياة أحبائهم الذين فقدوهم. حيث يُعتقد أن الأرواح تعود لزيارة عائلاتهم خلال هذا الوقت، مما يخلق فرصة للتواصل مع الذكريات وتعزيز الروابط الأسرية.
الموت وما بعده في الثقافة المصرية القديمة
أما في مصر القديمة، فقد كان التعامل مع الموت وما بعده جزءًا محوريًا من ثقافتهم وحياتهم. لم يكن الأمر مقتصرًا على الخوف من الأرواح الشريرة بل تجاوز ذلك ليشمل فلسفة عميقة حول طبيعة الموت ورحلة الروح في العالم الآخر.

كان المصريون القدماء يؤمنون بأن الحياة على الأرض مجرد محطة مؤقتة تسبق الرحلة إلى الحياة الأبدية في العالم الآخر، ولذا اهتموا كثيرًا بتحضير موتاهم لهذه الرحلة.
كتاب الموتى: دليل المصريين لرحلة الأبدية

يُعد كتاب الموتى أحد أبرز الأمثلة على اهتمام المصريين القدماء بالعالم الآخر.
لم يكن هذا الكتاب مجرد نصوص بل كان دليلًا شاملًا يُزوّد الموتى بتعاويذ وإرشادات تساعدهم على تخطي المخاطر والتهديدات التي قد تواجههم في رحلتهم إلى الحياة الأبدية.
من الجدير بالذكر أن المصريين كانوا يضعون نسخًا من هذا الكتاب داخل المقابر لضمان حماية المتوفى من الأخطار ولمنحه فرصة الوصول إلى “حقول اليارو / آروأ”، وهي الجنة التي يحلمون بها.
عيد الوادي الجميل: احتفال أرواح الموتى
بالإضافة إلى ذلك، كان المصريون يحتفلون بمهرجان سنوي يُعرف باسم عيد الوادي الجميل (WAG Festival).
في هذا العيد، كان الناس يجتمعون لتقديم القرابين والدعاء لأرواح الموتى، مؤمنين بأن هذه الطقوس تساعد في توفير الطمأنينة والسلام لأرواح أحبائهم الذين رحلوا.
كما كان هذا الاحتفال فرصة للتواصل بين الأحياء والأرواح، حيث يعتقدون أن تذكر وتكريم الأموات يجلب الحظ الجيد ويضمن لهم حماية الأرواح.
التشابهات بين طقوس المصريين القدماء، الهالوين، ويوم الموتى المكسيكي
رغم اختلاف الثقافات، نجد تشابهات تجمع بين الهالوين ويوم الموتى المكسيكي وطقوس المصريين القدماء. فكلاً من تلك الثقافات تشترك في اعتقاد أن هناك لحظات في العام تكون فيها الأرواح أقرب إلينا، وأنه من الضروري اتباع طقوس معينة لضمان الحماية والطمأنينة.
وفي المكسيك، الاحتفال بـيوم الموت، بتُقدّيم العائلات القرابين لأحبائها الذين رحلوا، يشبه كثيراً طقوس عيد الوادي الجميل المصري، ويهدف هذا الاحتفال إلى تكريم الموتى وإعادة التواصل معهم، مما يظهر التقدير العميق للحياة والموت.

في الختام
يتيح لنا التفكير في الهالوين او ويوم الموتى المكسيكي من منظور مصري قديم فهمًا أعمق لمدى تشابه الشعوب في تفاعلها مع الموت وعالم الأرواح.
فعلى الرغم من بساطة احتفالات اليوم، إلا أنها تستحضر طقوسًا عميقة الجذور تجعلنا نتساءل عن أسرار الكون ورغبة الإنسان في الحماية من المجهول.
في الختام، يفتح لنا هذا التداخل بين الثقافات آفاقًا جديدة لفهم كيفية تعامل البشر عبر العصور مع فكرة الموت، وكيفية خلق احتفالات تذكرهم بالأحباب الذين فقدوهم.